فضل الله ـ عز وجل ـ هذه الأمة على سائر الأمم، واختصها بخصائص وكرامات
كثيرة في الدنيا ليست لغيرها، وذلك إكراما وتشريفا لنبيها محمد ـ صلى الله
عليه وسلم ـ سيد الأولين والآخرين. وإنما نالت الأمة ما نالته من تشريف
وتكريم، بإيمانها واتباعها لرسولها ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، والسير على
سنته، والعمل بشريعته...
خير الأمم :ومن هذه الخصائص العظيمة التي منحها الله وجعلها لأمة النبي ـ صلى الله
عليه وسلم ـ أن جعلها أكرم الأمم وأخيرها، وأحسنها وأفضلها عند الله تعالى،
وحسبنا شهادةُ القرآن الكريم:
{ كنتم خير أمة أخرجت للناسِ تأمرون بِالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ** (آل عمران: من الآية110)...
وعن بهز بن حكيم ، عن أبِيه عن جَدِّهِ، أنَه سمع النبي ـ صلى الله عليه
وسلم ـ يقول في قوله تَعالَى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس **، قَال: ( أنتم
تتمون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله ) ( الترمذي )...
وعن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه
وسلم ـ : ( أعطيتُ ما لم يُعْط أحد من الأنبياء، فقلنا: يا رسول الله ما
هو؟ قال: نُصِرْتُ بالرعبِ، وأُعطيتُ مفاتيح الأرض، وسُميتُ أحمد ، وجُعلَ
الترابُ لي طهوراً، وجُعلت أمّتي خير الأمم ) ( أحمد ).
الأرض مسجدا وطهورا :ومن الخصائص التي اختص الله بها نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أمته في
الدنيا، أن جعل لها الأرض مسجدا وطهورا، فأيما مسلم أدركته الصلاة، فلم يجد
ماء ولا مسجدا، فعنده طهوره ومسجده، بخلاف الأمم السابقة، فإن الصلاة
عندهم في أماكن محددة كالبيع والصوامع.. قال ـ صلى الله عليه وسلم: (
وجُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ )
( البخاري ).
حل الغنائم : كانت الغنائم للأمم فيمن قبلنا على ضربين، منهم من لم يؤذن لهم في الجهاد
فلم تكن لهم غنائم، ومنهم من أذن لهم فيه، فكانوا يغزون ويأخذون أموال
وأسلاب أعدائهم، لكن لا يتصرفون فيها بل يجمعونها، وعلامة قبول غزوهم أن
تنزل النار من السماء فتأكلها، وعلامة عدم قبوله أن لا تنزل، ومن أسباب عدم
القبول أن يقع فيهم الغلول وهوما أخفي من الغنيمة عن القسمة .
فكان من فضل الله على أمتنا أن خصها بحل الغنائم، قال الله تعالى: {لولا
كتاب من الله سبق لمسكم فيما أَخذتم عذاب عظيم . فَكلوا مما غنمتم حلالا
طيِبا واتَقوا الله إن الله غفور رحيم ** (الأنفال: 69:68).
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله: { لولا كتاب من الله سبق **
يعني: في أم الكتاب الأول، أن المغانم والأسارى حلال لكم.. فحل الغنائم
خصوصية من خصوصيات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أمته في الدنيا...
التجاوز عن الخطأ والنسيان :
ومن هذه الخصائص العظيمة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأمته في الدنيا، أن
الله ـ عز وجل ـ تجاوز عما صدر منها على سبيل الخطأ والنسيان، وتجاوز لها
عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به..
وذلك لحديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
قال: ( إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم يتكلموا أو يعملوا به
) ( مسلم )... وعن أبي ذر الغفاري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ
صلى الله عليه وسلم ـ : ( إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان، وما
استكرهوا عليه ) ( ابن ماجه )...
أمة التيسير ورفع الحرج : من رحمة الله تعالى وكرمه بهذه الأمة المحمدية أن وضع عنها الآصار والأغلال
التي كانت على الأمم قبلها، فأحل لها كثيرا مما حُرِّم على غيرها، ولم
يجعل عليها من عنت ولا شدة، كما قال تعالى: { هو اجتباكم وما جعل عليكم في
الدين من حرج ** (الحج: من الآية78)، وقال: { يريد الله بكم اليسر ولا يريد
بكم العسر ** (البقرة: من الآية185)، فجعل الله شريعة أمة الإسلام، أكمل
الشرائع وأيسرها.. ومن ثم قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إني أرسلت
بحنيفية سمحة ) ( أحمد ).. وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمعاذ وأبي موسى ـ
رضي الله عنهما ـ حين بعثهما إلى اليمن ـ
يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا
تنفرا ) ( البخاري ).. وفي حديث لحذيفة ـ رضي الله عنه ـ ذكر فيه قول النبي
ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( ... وأحل لنا كثيرا مما شُدِدَ على من قبلنا،
ولم يجعل علينا من حرج ) ( أحمد )..
يوم الجمعة :اختصت الأمة المحمدية بخصائص كثيرة في الدنيا لم تعطها غيرها من الأمم، ومن
ذلك يوم الجمعة، خير يوم طلعت عليه الشمس، فيه خلق آدم عليه السلام، وفيه
أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة، وفيه ساعة لا يوافقها عبد
مسلم يسأل الله خيرا إلا أعطاه إياه، والأحاديث في ذلك كثيرة..
وهذه الخصوصية لم تكن لأحد قبلنا من الأمم.. عن حذيفة ـ رضي الله عنه ـ
قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( أضل الله عن الجمعة من كان
قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا
فهدانا الله ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم
القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة، المقضي لهم
قبل الخلائق ) ( مسلم )..
أمة محفوظة من الهلاك والاستئصال :الأمة المحمدية، أمة مصونة مرحومة، فلا تُهلَك بالقحط والجوع والغرق، ولا
يسلط عليها عدوا من غيرها، فيستبيح بيضتها ويستأصلها، وهذه جملة خصائص لأمة
الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ، لقوله ـ صلوات الله عليه ـ : ( سأَلتُ
ربِى ثَلاَثًا فَأَعطاني ثِنْتَيْنِ ومنعني واحدة، سأَلْتُ ربِى أَنْ لا
يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ (القحط) فَأَعطانِيها، وسألتُه أَن لاَ يهلك
أُمتي بِالْغرقِ فَأَعطانِيها، وسألْته أَن لا يجعل بَأْسَهُمْ بينهم
فَمَنَعَنِيهَا ) ( مسلم ) ..
فأمة الإسلام أمة محفوظة باقية، بحفظ الله لها، فلا يُمكن استئصالها من الأرض، مهما حاول الأعداء، ومهما سعوا واجتهدوا في ذلك ..
شهداء الله في الأرض :
فضَّل الله ـ تبارك وتعالى ـ هذه الأمة، ورفع ذكرها، بأن أضافها إليه إضافة
تشريف وتكريم، فقبل منها قولها وشهادتها.. ومما يدل على هذه الخصوصية
العظيمة، ما رواه أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: ( مروا بجنازة فأثنوا عليها
خيراً، فقال النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ وجبت . ثم مروا بأخرى فأثنوا
عليها شراً، فقال وجبت.. فقال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ما وجبت؟
قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة، وهذا
أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض ) ( مسلم )..
صفوفهم كصفوف الملائكة :خص الله ـ عز وجل ـ أمة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ بجعل صفوفها في
الصلاة، كصفوف الملائكة.. ومما يؤيد هذه الخصوصية، ما جاء عن حذيفة ـ رضي
الله عنه ـ ، قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( فضلت على
الناس بثلاث، جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا،
وجعلت تربتها لنا طهورا، وذكر خصلة أخرى ) ( مسلم ).. والخصلة الأخرى هي
فضل الآيات من أواخر سورة البقرة، كما جاء ذلك في روايات أخرى..
ومما اختص به ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أمته، أن أجر الصلاة في مسجده ـ
صلى الله عليه وسلم ـ يحسب بأجر ألف صلاة في غيره من المساجد، عدا المسجد
الحرام، ثبت هذا في عدة أحاديث، منها حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ،
قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: ( صلاة في مسجدي هذا،
خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد، إلا المسجد الحرام ) ( البخاري )..
أمة لا تجتمع على ضلالة، وطائفة منها على الحق :أمة لا تجتمع على ضلالة، وطائفة منها على الحق
أكرم الله ـ تبارك تعالى ـ الأمة المحمدية في الدنيا بخصائص وكرامات كثيرة
منها بل من أهمها : أنها لا تجتمع على خطأ، تشريفا لها، وتكريما لنبيها ـ
صلى الله عليه وسلم ـ، ومنها: وجود طائفة من هذه الأمة على الحق والهدى في
كل زمان، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم على
ذلك....
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في سياق كلامه على خصائص النبي ـ صلى
الله عليه وسلم ـ : " ومثلها عصمة أمته بأنها لا تجتمع على ضلالة في فرع
ولا في أصل " ...
وبذلك جاءت أحاديث كثيرة، منها: ما رواه عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ
أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( إن الله لا يجمع أمتي ـ أو
قال أمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ على ضلالة ) ( الترمذي ).. وعن ثوبان ـ
رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لا تزال
طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم
كذلك ) ( البخاري )...
إن ذكر خصوصياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أمته كثيرة، وحسبنا في مقامنا
هذا أن وقفنا عند بعضها، وإنما حصلت لأمتنا هذه الخصائص وغيرها، لمكانة
نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومنـزلته عند الله ..