حث الإسلام على الزواج
لقد حث الإسلام على الزواج حثاً قوياً باعتباره المتنفس الشرعي للغريزة الجنسية – التي هي من أقوى الغرائز إلحاحاً – وكذا باعتباره المدخل الشرعي الرسمي لتكوين الأسر ، وإنجاب الذرية ، واستمرار الوجود الإنساني .
ويتجلى هذا الحث في كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية :
% فمن الآيات القرآنية قول الله - عز وجل - : ( .. فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا ) (1) .
% ومن الأحاديث النبوية قوله –e– : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) (2) ، والمراد بالباءة : القدرة على الزواج صحياً ومالياً .
و(الوِجَاء) بكسر الواو : مأخوذ من ( وَجَأَ ) بمعنى : قطع ، والمعنى : أن الصوم قاطع للشهوة لمن لم يستطع الزواج (3).
وبقدر الترغيب في الزواج كان الترهيب من العزوف عنه في حالة انتفاء الموانع؛ حيث إنه لا رهبانية في الإسلام .
% عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال : ( جاء ثلاثة رهط إلى بيوت النبي –e– يسألون عن عبادة النبي –e– فلما أخبروا كأنهم تقالوها ، فقالوا : وأين نحن من النبي e ؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، قال أحدهم : أما أنا فأنا أصلي الليل أبدا ، وقال آخر : أنا أصوم الدهر ولا أفطر ، وقال آخر : أنا اعتزل النساء فلا أتزوج أبداً . فجاء رسول الله –e– فقال : أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) (4) .
وفي إطار الحث على الزواج والتنفير من العزوف عنه يهيب الإسلام بأتباعه أن ييسروا أمر الزواج ، وألا يقحموا أمره في مضمار السباق المادي المحموم الذي لا يتناسب مع علاقة أساسها السكن والمودة والرحمة ، كما قال – تعالى - : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة .. ) (5) ، ولا أدل على هذا من قول الله – عز وجل - لافتا الأنظار إلى أن الزواج ليس نتيجة للغنى ولكنه سبيل إلى الغنى : ( وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم ) (6) ، ولذلك قال عبد الله ابن مسعود - رضي الله عنه - : " التمسوا الغنى في النكاح " (7) .
وما أعظم الإسلام الذي رسم لكل من لم يستطع الباءة سبيل العفة ، إعانةً له على الامتثال لقول الله - تعالى - : ( وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله ..) (8) ، وذلك بما يلي :
* اللجوء إلى الصوم : لقوله –e– : ( ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) (9) ؛ وذلك لما للصيام من تخفيف لغلواء الشهوة ، وتقوية لمعنى المراقبة لله والخشية منه ، ويدخل في معنى الصوم كل ما يؤدي إلى التخفيف من سلطان الغريزة وجموح الشهوة ، مثل عدم الإسراف في تناول الطعام والشراب ، واستفراغ طاقة الجسد في العمل والإنتاج ، وملء وقت الفراغ بالنافع المفيد كممارسة الهوايات الرياضية والثقافية .
* تجنب مسببات الإثارة : امتثالاً لقوله – عز وجل - : ( ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً ) (10) ، فكل ما يثير الغرائز داخل في إطار هذا النهي ؛ لأنه يقرب إلى الزنا ، أو على الأقل يؤثر على الاستقرار النفسي للإنسان .
إن الزواج يحمي المجتمع – ولا شك – من الجرائم السالف ذكرها، ويحقق الأمن والاستقرار النفسي ، حيث إن الزواج إشباع للغريزة ، وتنفيس للشهوة ، ووضع لها في مجراها الطبيعي ، وبذلك تزول الاضطرابات النفسية التي تنشأ من الشعور بالإثم والخطيئة ، وقد بين النبي –e– هذه الحقيقة بقوله : ( إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها فإن ذلك يرد ما في نفسه ) (11) .
قال الإمام النووي – رحمه الله – : " ومعنى الحديث أنه يستحب لمن رأى امرأة فتحركت شهوته أن يأتي امرأته أو جاريته إن كانت له فليواقعها ؛ ليدفع شهوته ، وتسكن نفسه ، ويجمع قلبه على ما هو بصدده " (12) .
كما تمنع تلك الاضطرابات عن طريق السكن العائلي الذي يعيشه الفرد بعيداً عن الشجار والمنازعات ، وصدق الله إذ يقول : ( هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها .. ) (13) .