وفي الزواج عشرون فائدة
نصيحة للأيامى من الجنسين: لاتسمعوا لكلام من يخوِّفكم من الزواج ويعدد مشكلاته، توكلوا على الله وأقدموا على نصف دينكم.
روى البخاري عن سعيد بن جبير قال: قال لي ابن عباس: هل تزوجت؟ قلت لا. قال: فتزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساءً.
روى ابن أبي شيبة عن شداد بن أوس رضى الله عنه- وكان قد ذهب بصره- قال: زوجوني فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاني ألا ألقى الله عزباً.
وروى عن معاذ أنه قال في مرضه الذي مات فيه: زوجوني إني أكره أن ألقى الله عزباً.
وروى عن ميسرة أنه قال: قال لي طاووس: لتنكحن أو لأقولن لك ماقال عمر لأبي الزوائر: مايمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور.
وروى عن طاووس أنه قال: لايتم نسك الشاب حتى يتزوج.
وروى عن ابن مسعود رضى الله عنه أنه قال: لو لم أعش أو لم أكن في الدنيا إلا عشراً لأحببت أن يكون عندي فيهن امرأة.
ونقل ابن قدامة عن الإمام أحمد أنه قال: «من دعاك إلى غير التزويج فقد دعاك إلى غير الإسلام». وتزوج الإمام أحمد في اليوم الثاني لوفاة أم ولده عبدالله.
وكان يعقوب يدخل على المهدي ليلاً ويرفع إليه النصائح في الأمور الحسنة الجميلة من أمر الثغور، وتقوية الغزاة، وتزويج العزاب.
وقال عبدالمؤمن المغربي: «ورجل بلا بعل كرجل بلانعل، والعزوبة مفتاح الزنى والنكاح ملواح الغنى، ومن نكح فقد صفد بعض شياطينه، ومن تزوج فقد حصن نصف دينه، ألا فاتقوا الله في النصف الثاني، فإن خراب الدين بشهوتين: شهوة البطن وهي الصغرى، وشهوة الفرج وهي الكبرى، فاعمر الركنين وأحكم الحصنين.
ومن المنافع المهمة للزواج:
1- أن الله قد امتن بالزواج على عباده فقال: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}. وكما جعل الزوجة سكناً فقد جعلها لباساً، قال تعالى: {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن}، وجعلها حرثاً فقال: {نساؤكم حرث لكم}.
2- أن الزواج من سنن المرسلين، فقد ذكر الله تبارك وتعالى ذلك عنهم فقال: {ولقد أرسلنا من قبلك رسلاً إلى قومهم وجعلنا لهم أزواجاً وذرية}.
وذكر الله تبارك وتعالى عن نبيه موسى أنه بقي سنين يرعى الغنم مهراً للزواج.
وذكر صلى الله عليه وسلم عن سليمان عليه السلام أنه كان له نساء عدة؛ فعن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال سليمان بن داود: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة، تحمل كل امرأة فارساً يجاهد في سبيل الله فقال له صاحبه (أي الملك): إن شاء الله، فلم يقل، ولم تحمل شيئاً إلا واحداً ساقطاً أحد شقيه» فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو قالها لجاهدوا في سبيل الله» متفق عليه.
وحين جاء طائفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وسألوا عن عبادته، فاعتقدوا أن له شأناً ليس كشأنهم، فمنهم من اعتزل النساء، أخبر صلى الله عليه وسلم أن الزواج من سنته وهديه، ففي الصحيحين عن أنس رضى الله عنه أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر فقال بعضهم: لاأتزوج النساء، وقال بعضهم: لاآكل اللحم، وقال بعضهم: لاأنام الليل على فراش، فحمد الله وأثنى عليه فقال: «مابال أقوام قالوا كذا وكذا؟ لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني».
فإذا كان المرسلون قد جعل الله تعالى لهم أزواجاً، وكان الزواج من سنتهم، وهم أعبد الناس وأعلم الناس، وأكثر الناس شغلاً، فلامناص ولامجال لأحد بعد ذلك أن يعتذر عن الزواج إلا أن يكون قد خالف سنة المرسلين، أو يكون فيه مايمنعه من النكاح.
3- أن الله قد أمر الأولياء- وهو أمر للمجتمع- بتزويج الأيامى، وهم من لاأزواج لهم من الرجال والنساء- ماسبق بيانه- {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم}.
4- لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمراً عاماً لأمته يخاطب فيه كل شاب على مدى عمر هذه الأمة الزمني: «يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» والخطاب الذي للرجال تدخل فيه النساء.
5- الزواج فيه تحصيل لخير متاع الدنيا؛ فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة». رواه مسلم. وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة، قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وبدناً على البلاء صابراً، وزوجة لاتبغيه حوباً في نفسها وماله».
6- الزواج فيه إكمال لشطر الدين؛ فقد روى الحاكم عن أنس رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الباقي»، وفي رواية للبيهقي: «إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين فليتق الله في النصف الباقي».
وإنما كان الزواج نصف الدين لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الآخر: «من يضمن لي مابين لحييه ومابين رجليه أضمن له الجنة» رواه البخاري من حديث سهل بن سعد، فإذا تزوج أعف مابين رجليه.
7- وكما أنه صلى الله عليه وسلم قد أمر بالزواج وحث عليه، فقد نهى عن التبتل والانقطاع، فعن سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه قال: رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا.
8- نهى صلى الله عليه وسلم عن المبالغة في التعبد على حساب حق الأهل والزوجة، فقال لعبدالله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما-: ياعبدالله، ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ فقلت- عبدالله بن عمرو- بلى يارسول الله، قال: «فلاتفعل، صم وأفطر، وقم ونم؛ فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا..» فدل ذلك على أن الزواج أفضل من التفرغ للعبادة، فكيف بغيرها.
9- أن النكاح سبب لعون الله وتوفيقه؛ فعن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة حق على الله عونهم: المكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف، والمجاهد في سبيل الله» رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه.
10- أن ذلك سبب لزيادة عدد الأمم، ومكاثرة النبي صلى الله عليه وسلم. فقد قال صلى الله عليه وسلم: «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم» رواه أبوداود والنسائي.
11- الزواج له أثر صحي، فقد أجرى عالمان نفسيان في جامعة شيكاغو إحصاءات دقيقة عن حالات من الجنون التي قاما بفحصها بين من يعالجونهم فوجدا أن بين كل مائة مجنون ومجنونة 83 مريضاً من العزاب و17 من المتزوجين والمتزوجات. كما أن معدل الإجرام أكثر عند العزاب منه عند المتزوجين. حيث بلغ في إحدى الإحصائيات 38 مجرماً أعزب مقابل 17 متزوجاً.
12- ومن أهم مقاصد النكاح وفوائده تحصين النفس، وحمايتها من الوقوع في الفاحشة، وهو ماأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج..» وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ماتركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء، وإن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء».
ويتأكد ذلك في العصر الحاضر الذي انتشرت فيه فتنة النساء وعمت بلاد المسلمين.
13- الزواج يتيسر فيه للرجل والمرأة أنواع من العبادة والقرب لاتتيسر في غيره من حسن العشرة، والصحبة بالمعروف، وقضاء حق العيال والرحمة بهم، والانشغال بمصالحهم، كل ذلك قربة إلى الله عز وجل. بل إن اللقاء بينهما وتحصيل الشهوة أمر يثابان عليه، ففي صحيح مسلم من حديث أبي ذر رضى الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «وفي بضع أحدكم صدقة»، قالوا: يارسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر».
ماذا نجني من الزواج المبكر؟
حين يبادر الشاب والفتاة بالزواج المبكر فإنهم يجنون ثمرات عدة، منها:
1- تحصيل منافع الزواج وفضائله التي سبق الحديث عنها.
2- أن الشباب والفتيات اليوم يعانون من المغريات والمثيرات التي تبدو أمامهم في كل موطن، فهو حين يتأخر في الزواج بين أمرين لاثالث لهما: إما أن يقع في الحرام فيشعر بالألم والندم- وهذا المؤمل فيه-، وإما أن يحميه الله عز وجل؛ فينتصر على شهوته ونفسه الأمارة بالسوء، فيعيش في حيرة وخوف على نفسه ومعاناة.
3- الاستقرار النفسي والراحة؛ فالزواج سكن كما أخبر تبارك وتعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}.
وقد دلت الدراسات المعاصرة اليوم على أثر الزواج على الاستقرار النفسي والاجتماعي على صاحبه، يقول أحد الغربيين: «إن العزوبة الدائمة تعرض صاحبها إلى اضطراب نفسي مختلف الأنواع والصفات، فيفسد النفس، ويجعلها مجبولة تتحلى بعدم الرحمة والقسوة والخفة والطيش، وعدم الاتزان». ويقول جورج انكتيل: «منذ مطلع القرن العشرين والعزوبة تمثل على مسرح هذه الحياة شقاء ينتهي غالباً بالانتحار والجنون».
وحين يتأخر الشاب والفتاة في الزواج فإنهما يفوتان على أنفسهما فرصة تحصيل الاستقرار في هذه المرحلة المهمة من مراحل العمر.
4- الشعور بالمسؤولية: فالتعليم والتربية في هذا العصر صاغ حياة الشاب والفتاة بصورة تجعل الفرد يعتمد على غيره، ولايتحمل المسؤولية، فهو يسير في الدراسة ستة عشر عاماً أو أكثر، وخلال فترة الدراسة ليس له دخل ثابت؛ فهو يعتمد على أهله في الأغلب، والحاجة للمسؤولية حاجة مهمة للشاب، ومن ثم فالتبكير في الزواج ينمي هذه الحاجة لديه.
5- التربية السليمة للأبناء والبنات، فهو حين يتزوج في وقت مبكر ستكون الفجوة بينه وبين أولاده- وبالأخص الكبار منهم- غير واسعة، فسوف يبلغ ولده الأكبر سن التكليف والأب دون الأربعين، وهذا له أثره في سهولة تعامله معه، واستيعابه لمشكلاته، وقدرته على تربيته.
6- وجود من يقوم بأعباء المنزل للوالدين، فحين يتزوج الشاب والفتاة في سن مبكرة فما أن يبلغا الأربعين إلا وقد وجد من يقوم بأعباء المنزل من البنين والبنات، وهذا له أثره في تحقيق قدر من الفراغ يمكن أن يثمر فيه الأب وينتج نتاجاً يتناسب مع فترة الرشد والنضج التي يعيشها.
7- الزواج المبكر مدعاة لحصول الأبوين على الولد الصالح، فهو أدعى لحسن تربيته كما سبق، وهو أدعى لكثرة الولد، والولد الصالح امتداد للمرء بعد موته، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» رواه مسلم من حديث أبي هريرة.
نجابة الولد: الزواج المبكر سبب في الأغلب للإنجاب المبكر، وهذا له أثره على نجابة الولد، قال الماوردي: «إن أنجب الأولاد خَلقاً وخُلقاً من كان سن أمه بين العشرين والثلاثين».
وتوصلت بعض الدراسات الحديثة إلى أن الأمهات دون العشرين وفوق الخامسة والثلاثين يزيد احتمال إنجابهن للأطفال المتأخرين عن الأمهات اللاتي تقع أعمارهن فيما بين العشرين والخامسة والثلاثين. وتوصلت بعض الدراسات الحديثة إلى أن نسبة الأطفال المشوهين والمعتوهين تزداد تبعاً لعمر الأب، وخاصة بعد الخامسة والأربعين.