ثم
ينزل ويمشي إلى المروة، ويسن له أن يسرع في مشيه فيما بين العلمين
الأخضرين في المسعى، فإذا وصل المروة استحب له أن يرقاها ويفعل كما فعل على
الصفا من استقبال القبلة ورفع اليدين والذكر والدعاء السابق، وهكذا يفعل
في كل شوط.
أما في نهاية الشوط السابع من السعي فإنه لا يفعل ما سبق.
ليس للسعي ذكر خاص به، ولكن يشرع للمسلم أن يذكر الله ويدعوه بما شاء، وإن قرأ القرآن فلا حرج.
يستحب أن يكون المسلم متطهراً أثناء سعيه.
إذا أقيمت الصلاة وهو يسعى فإنه يصلي مع الجماعة ثم يكمل سعيه.
ثم إذا فرغ المسلم من سعيه فإنه يحلق شعر رأسه أو يقصره، والتقصير هنا أفضل من الحلق، لكي يحلق شعر رأسه في الحج.
لابد أن يستوعب التقصير جميع أنحاء الرأس، فلا يكفي أن يقصر شعر رأسه من جهة واحدة.
المرأة ليس عليها حلق، وإنما تقصر شعر رأسها بقدر الأصبع من كل ظفيرة أو من كل جانب، لقوله صلى الله عليه وسلم: «ليس على النساء حلق إنما على النساء التقصير» (22).
ثم بعد الحلق أو التقصير تنتهي أعمال العمرة، فيحل المسلم إحرامه إلى أن يحرم بالحج في يوم (8 ذي الحجة).
إذا كان يوم (8 ذي الحجة) وهو المسمى يوم التروية، أحرم المسلم بالحج من
مكانه الذي هو فيه وفعل عند إحرامه بالحج كما فعل عند إحرامه بالعمرة من
الاغتسال والتطيب و .... الخ، ثم انطلق إلى منى فأقام بها وصلى الظهر
والعصر والمغرب والعشاء والفجر، يصلي كل صلاة في وقتها مع قصر الرباعية
منها (أي يصلي الظهر والعصر والعشاء ركعتين).
فإذا طلعت شمس يوم (9 ذي الحجة وهو يوم عرفة) توجه إلى عرفة، ويسن له أن
ينزل بنمرة (وهي ملاصقة لعرفة) [كما في صورة 6]، ويبقى فيها إلى الزوال ثم
يخطب الإمام أو من ينوب عنه الناسَ بخطبة تناسب حالهم يبين لهم فيها ما
يشرع للحجاج في هذا اليوم وما بعده من أعمال، ثم يصلي الحجاج الظهر والعصر
قصراً وجمعاً في وقت الظهر، ثم يقف الناس بعرفة، وكلها يجوز الوقوف بها إلا
بطن عُرَنة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «عرفة كلها موقف وارفعوا عن بطن عُرَنة»
(23)، ولكن يستحب للحاج الوقوف خلف جبل عرفة مستقبلاً القبلة [ كما في
صورة 7 ]؛ لأنه موقف النبي صلى الله عليه وسلم (24)، إن تيسر ذلك. ويجتهد
في الذكر والدعاء المناسب، ومن ذلك ما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم: «خير
الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا
الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير» (25).
التروية: سمي بذلك لأن الناس كانوا يتروون فيه من الماء ، لأن منى لم يكن بها ماء ذلك الوقت
بطن عُرَنة: وهو وادي بين عرفة ومزدلفة [كما في صورة 6].
جبل عرفة: ويسمى خطأ (جبل الرحمة)، وليست له أي ميزة على غيره من أرض عرفة، فينبغي عدم قصد صعوده أو التبرك بأحجاره كما يفعل الجهال.
يستحب للحاج أن يكون وقوفه بعرفة على دابته؛ لأنه صلى الله عليه وسلم وقف
على بعيره (26)، وفي زماننا هذا حلت السيارات محل الدواب، فيكون راكباً في
سيارته، إلا إذا كان نزوله منها أخشع لقلبه.
لا يجوز للحاج مغادرة عرفة إلى مزدلفة قبل غروب الشمس.
فإذا غربت الشمس سار الحجاج إلى مزدلفة بسكينة وهدوء وأكثروا من التلبية في
طريقهم، فإذا وصلوا مزدلفة صلوا بها المغرب ثلاث ركعات والعشاء ركعتين
جمعاً، بأذان واحد ويقيمون لكل صلاة، وذلك عند وصولهم مباشرة دون تأخير
(وإذا لم يتمكنوا من وصول مزدلفة قبل منتصف الليل فإنهم يصلون المغرب
والعشاء في طريقهم خشية خروج الوقت).
ثم يبيت الحجاج في مزدلفة حتى يصلوا بها الفجر، ثم يسن لهم بعد الصلاة أن
يقفوا عند المشعر الحرام مستقبلين القبلة، مكثرين من ذكر الله والدعاء مع
رفع اليدين، إلى أن يسفروا -أي إلى أن ينتشر النور- [أنظر صورة 6] لفعله
صلى الله عليه وسلم (27).
يجوز لمن كان معه نساء أو ضَعَفة أن يغادر مزدلفة إلى منى إذا مضى ثلثا
الليل تقريباً، لقول ابن عباس رضي الله عنهما: "بعثني رسول الله صلى الله
عليه وسلم في الضَعَفة من جمع بليل" (28).
مزدلفة كلها موقف، ولكن السنة أن يقف بالمشعر الحرام كما سبق، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( وقفت هاهنا ومزدلفة كلها موقف ) 29 .
ثم ينصرف الحجاج إلى منى مكثرين من التلبية في طريقهم، ويسرعون في المشي
إذا وصلوا وادي مُحَسِّر، ثم يتجهون إلى الجمرة الكبرى (وهي جمرة العقبة)
ويرمونها بسبع حصيات (يأخذونها من مزدلفة أو منى حسبما تيسر) كل حصاة بحجم
الحمص تقريباً [كما في صورة 8]، المشعر الحرام: وهو الآن المسجد الموجود
بمزدلفة (كما في صورة 6).
جمع: جمع هي مزدلفة، سميت بذلك لأن الحجاج يجمعون فيها صلاتي المغرب والعشاء.
وادي مُحَسِّر: وهو وادي بين منى ومزدلفة (كما في صورة 6)، وسمي بذلك لأن
فيل أبرهة حَسَرَ فيه، أي وقف، فهو موضع عذاب يسن الإسراع فيه.
يرفع الحاج يده عند رمي كل حصاة قائلاً: (الله أكبر)، ويستحب أن يرميها من
بطن الوادي ويجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه [كما في صورة 9]، لفعله صلى
الله عليه وسلم 30. ولا بد من وقوع الحصى في بطن الحوض -ولا حرج لو خرجت من
الحوض بعد وقوعها فيه- أما إذا ضربت الشاخص المنصوب ولم تقع في الحوض لم
يجزئ ذلك.
ثم بعد الرمي ينحر الحاج (الذي من خارج الحرم) هديه، ويستحب له أن يأكل منه ويهدي ويتصدق.
ويمتد وقت الذبح إلى غروب الشمس يوم (13 ذي الحجة) مع جواز الذبح ليلاً،
ولكن الأفضل المبادرة بذبحه بعد رمي جمرة العقبة يوم العيد، لفعله صلى الله
عليه وسلم. (وإذا لم يجد الحاج الهدي صام 3 أيام في الحج ويستحب أن تكون
يوم 11 و 12 و 13 و 7 أيام إذا رجع إلى بلده).
ثم بعد ذبح الهدي يحلق الحاج رأسه أو يقصر منه ، والحلق أفضل من التقصير،
لأنه صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين بالمغفرة 3 مرات وللمقصرين مرة واحدة
(31).
بعد رمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير يباح للحاج كل شيء حرم عليه بسبب
الإحرام إلا النساء، ويسمى هذا التحلل (التحلل الأول)، ثم يتجه الحاج -بعد
أن يتطيب- إلى مكة ليطوف بالكعبة طواف الإفاضة المذكور في قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}
(32)؛ لقول عائشة رضي الله عنها: "كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم
لحله قبل أن يطوف بالبيت" (33)، ثم يسعى بعد هذا الطواف سعي الحج.
وبعد هذا الطواف يحل للحاج كل شيء حرم عليه بسبب الإحرام حتى النساء، ويسمى هذا التحلل (التحلل التام).
الأفضل للحاج أن يرتب فعل هذه الأمور كما سبق (الرمي ثم الحلق أو التقصير
ثم الذبح ثم طواف الإفاضة)، لكن لو قدم بعضها على بعض فلا حرج.
ثم يرجع الحاج إلى منى ليقيم بها يوم (11 و 12 ذي الحجة بلياليهن) إذا أراد
التعجل (بشرط أن يغادر منى قبل الغروب)، أو يوم (11 و 12 و 13 ذي الحجة
بلياليهن) إذا أراد التأخر، وهو أفضل من التعجل، لقوله تعالى: {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ لِمَنِ اتَّقَىٰ} (34).
ويرمي في كل يوم من هذه الأيام الجمرات الثلاث بعد الزوال 35 مبتدئاً
بالصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى، بسبع حصيات لكل جمرة، مع التكبير عند رمي كل
حصاة.
ويسن له بعد أن يرمي الجمرة الصغرى أن يتقدم عليها في مكان لا يصيبه فيه
الرمي ثم يستقبل القبلة ويدعو دعاء طويلاً رافعاً يديه [كما في صورة 10]،
ويسن أيضاً بعد أن يرمي الجمرة الوسطى أن يتقدم عليها ويجعلها عن يمينه
ويستقبل القبلة ويدعو دعاء طويلاً رافعاً يديه [كما في صورة 10]، أما
الجمرة الكبرى (جمرة العقبة) فإنه يرميها ولا يقف يدعو ، لفعله صلى الله
عليه وسلم ذلك (36).
بعد فراغ الحاج من حجه وعزمه على الرجوع إلى أهله فإنه يجب عليه أن يطوف
(طواف الوداع)، ثم يغادر مكة بعده مباشرة، لقول ابن عباس رضي الله عنهما:
"أمِر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خُفف عن المرأة الحائض"
(37)، فالحائض ليس عليها طواف وداع.
مسائل متفرقة:
- يصح حج الصغير الذي لم يبلغ ، لأن امرأة رفعت إلى النبي صلى الله عليه
وسلم صبياً فقالت: "يا رسول الله، ألهذا حج؟"، فقال صلى الله عليه وسلم: «نعم، ولك أجر» (38)، ولكن لا تجزئه هذه الحجة عن حجة الإسلام؛ لأنه غير مكلف، ويجب عليه أن يحج فرضه بعد البلوغ.
- يفعل ولي الصغير ما يعجز عنه الصغير من أفعال الحج، كالرمي ونحوه.
- الحائض تأتي بجميع أعمال الحج غير أنها لا تطوف بالبيت إلا إذا انقطع حيضها واغتسلت، ومثلها النفساء.
- يجوز للمرأة أن تأكل حبوب منع العادة لكي لا يأتيها الحيض أثناء الحج.
- يجوز رمي الجمرات عن كبير السن وعن النساء إذا كان يشق عليهن، ويبدأ
الوكيل برمي الجمرة عن نفسه ثم عن موُكله، وهكذا يفعل في بقية الجمرات.
- من مات ولم يحج وقد كان مستطيعاً للحج عند موته حُج عنه من تركته، وإن تطوع أحد أقاربه بالحج عنه فلا حرج.
- يجوز لكبير السن والمريض بمرض لا يرجى شفاؤه أن ينيب من يحج عنه، بشرط أن يكون هذا النائب قد حج عن نفسه .
محظورات الإحرام:
لا يجوز للمحرم أن يفعل هذه الأشياء:
1- أن يأخذ شيئاً من شعره أو أظافره.
2- أن يتطيب في ثوبه أو بدنه.
3- أن يغطي رأسه بملاصق، كالطاقية والغترة ونحوها.
4- أن يتزوج أو يُزَوج غيره، أو يخطب.
5- أن يجامع.
6- أن يباشر (أي يفعل مقدمات الجماع من اللمس والتقبيل) بشهوة.
7- أن يلبس الذكر مخيطاً، وهو ما فُصّل على مقدار البدن أو العضو، كالثوب
أو الفنيلة أو السروال ونحوه، وهذا المحظور خاص بالرجال -كما سبق-.
8- أن يقتل صيداً برياً، كالغزال والأرنب والجربوع، ونحو ذلك.
- من فعل شيئاً من هذه المحظورات جاهلاً أو ناسياً أو مُكرهاً فلا إثم عليه ولا فدية.
- أما من فعلها متعمداً -والعياذ بالله- أو محتاجاً لفعلها: فعليه أن يسأل العلماء ليبينوا له ما يلزمه من الفدية.
تنبيه: من ترك شيئاً من أعمال الحج الواردة في هذه المطوية فعليه أن يسأل العلماء ليبينوا له ما يترتب على ذلك.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
--------------------------------------------------------------------------------
الهوامش:
1- سورة آل عمران (97). 2- متفق عليه. 3- صحيح الترمذي للألباني (664).
4- متفق عليه. 5- رواه أحمد وصححه احمد شاكر ( 7/169). 6- رواه البخاري.
7- رواه الحاكم (1/454)، وقال : صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
8- رواه مسلم. 9- لأنه صلى الله عليه وسلم طاف مضطبعاً كما في صحيح أبي داود للألباني (1658).
10- رواه البخاري. 11- متفق عليه. 12- رواه البخاري. 13- متفق عليه.
14- صحيح أبي داود (1666). 15- متفق عليه. 16- متفق عليه. 17- سورة البقرة (125).
18- رواه مسلم. 19- رواه مسلم. 20- سورة البقر (158). 21- رواه مسلم.
22- صحيح أبي داود (1748).
23- رواه الحاكم (1/462) وصححه الأرناؤط في تعليقه على شرح مشكل الآثار للطحاوي (3/229).
24- رواه مسلم. 25- رواه الترمذي وحسنه الألباني في المشكاة (2/797).
26- صحيح النسائي للألباني (2813). 27- رواه مسلم. 28- متفق عليه. 29- رواه مسلم.
30- رواه مسلم. 31- متفق عليه. 32- سورة الحج (29). 33- متفق عليه. 34- سورة البقرة (203).
35- لحديث ابن عمر في البخاري قال: "كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا".
36- رواه البخاري. 37- متفق عليه. 38- رواه مسلم.
راجعها فضيلة الشيخ العلامة
عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين (حفظه الله)