الحمد لله الذي فرض الحج على عباده
إلى بيته الحرام ورتّب على ذلك جزيل الأجر ووافر الإنعام. فمن حج البيت
فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنبوبه كيوم ولدته أمه نقياً من الذنوب والآثام،
والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلاّ الجنّة دار السلام، وأشهد أن لا إله إلاّ
الله وحده لا شريك له ذو الفضل والإنعام وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله أفضل
من صلى وزكى وحج وصام صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم
بإحسانٍ ما تعاقبت الليال والأيّام وسلم تسليماً..
أمّا بعد:
فيا أيّها النّاس اتقوا الله تعالى وأدوا ما فرض الله عليكم من الحج إلى بيته حيث استطعتم إلى ذلك سبيلاً، فقد قال الله عز وجل: {وَلِلَّهِ
عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ
كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: من الآية97]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان تحج البيت إن استطعت إليه سبيلا»
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنّ الإسلام بني على بني على هذه الخمس،
فلا يتم إسلام عبد حتى يحج ولا يستقيم بنيان إسلامه حتى يحج. وعن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه قال: "لقد هممت أن أبعث
رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل من له جزيه، أي كل من كان غنياً ولم يحج
فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين"، ففريضة الحج ثابتةٌ
بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وبإجماع المسلمين عليها إجماعاً
قطعياً فمن أنكر فريضة الحج فقد كفر ومن أقر بها وتركها تهاوناً فهو على
خطر، فإن الله تعالى قال بعد ذكره ايجابه على النّاس {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}
[آل عمران: من الآية97]، ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى أنّ الإنسان الذي
يستطيع الحج فلم يحج يكون كافراً مرتداً عن الإسلام. وإن كان جمهور العلماء
وهو على خلاف ذلك وهو الصحيح، لكن الإنسان إذا تركه وهو مستطيعٌ فهو على
خطر.
أيّها المسلمون كيف تطيب نفس المؤمن أن يترك الحج مع قدرته عليه بماله
وبدنه وهو يعلم أنّه من فرائض الإسلام وأركانه؟ كيف يبخل بالمال على نفسه
في أداء هذه الفريضة وهو ينفق المال الكثير في ما تهواه نفسه؟ كيف يوفر
نفسه عن التعب في الحج وهو يرهق نفسه في التعب في أمور دنياه؟ كيف يتثاقل
فريضة الحج وهو لا يجب في العمر إلاّ مرةً واحدة؟ كيف يتراخى في تأخيره وهو
لا يدري لعله لا يستطيع الوصول إليه بعد؟ فاتقوا الله عباد الله وأدوا ما
فرض الله عليكم من الحج تعبداً لله ورضاً بحكمه وسمعاً وطاعةً لأمره إن
كنتم مؤمنين، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا
مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ
الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ
ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب:36].
وأعلموا أيّها المسلمون أنّ خير
الحديث كتاب الله عز وجل، فإنّ كتاب الله عز وجل هو كلامه الذي أنزله على
أفضل خلقه على محمدٍ صلى الله عليه وسلم وتعبد به عبادة تعبدهم بتلاوته
لفظاً وبفهم معناه وبالعمل به، فهو كتاب الله المبين وهو الكتاب العظيم
الكريم الحكيم.
فاجتهدوا أيّها المسلمون في تدبر
هذا القرآن الكريم والعمل به تصديقاً لأخباره وامتثالاً لأحكامه فإنّ خير
الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فلا هدي أكمل
من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أجتمع الخلق كلهم على أن يسنوا
طريقاً يوصل إلى الله أفضل من طريق النبي صلى الله عليه وسلم لوجدوا ذلك
غير موصل، بل هو باطل كل طريق ابتدعه النّاس ليصلوا به إلى الله فإنّهم لن
يصلوا إليه، لا يصلون إلى الله إلاّ من طريق محمد صلى الله عليه وسلم. كل
معاملة كل شيء في الدنيا كل شيء يمارسه الإنسان من حقوق الله أو حقوق
العباد أو أعماله الخاصة بنفسه ليست موافقةً لشريعة الله فإنّه لا خير فيها
يقول الله عز وجل {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50].
إنّ خير الهدي هدي محمدٍ صلى الله
عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ في دين الله بدعةٍ وكل بدعة
ضلالة ليس كل ما أحدث يكون بدعة إلاّ ما قصد به التعبد لله عز وجل أمّا
الأمور العادية، فإنّ الأصل فيها الحل حتى يقوم دليلٌ على تحريمها ولهذا
شطح قوم فظنوا أنّ كل شيء حدث فإنه بدعة، ولكنهم أخطؤا في الفهم. إنّ البدع
التي فيها الذم هي البدع الدينية التي يفعلها الإنسان بل التي يتبعها
الإنسان ليتقرب بها إلى الله عز وجل، فإنّه لا قربة إلى الله تعالى إلاّ
بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. كل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالة في
النّار فعليكم بالجماعة فإنّ يد الله على الجماعة، إنّ الجماعة أيّها
المسلمون أن تجتمعوا على دين الله عز وجل، أن تجتمعوا حيث أمرتم بالاجتماع
وأن لا تتفرقوا في دين الله فتكونوا شيعا، إنّ يد الله على الجماعة ومن شذ
شذ في النّار.
أيّها المسلمون إنّ الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه فقال جل من قائلٍ عليما {إِنَّ
اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]، إنّكم إذا صليتم على نبيكم فإنّما تصنعون ذلك لأنفسكم لأنّكم تجازون أكثر ممّا عملتم.
إنّ من صلى على النبي صلى الله
عليه وسلم مرةً واحدة صلى الله عليه بها عشرة، اللّهم صلي وسلم على عبدك
ورسولك محمد اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد اللّهم صلي وسلم على عبدك
ورسولك محمد اللّهم ارزقنا محبته وإتباعه ظاهراً وباطناً، اللّهم توفنا
على ملته اللهم احشرنا في زمرته، اللّهم اسقنا من حوضه، اللّهم أدخلنا في
شفاعته، اللّهم اجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين
والصديقين والشهداء والصالحين. اللّهم ارضى عن خلفائه الراشدين وعن أولاده
الذكور والإناث وعن زوجاته أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين
لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. اللّهم ارزقنا إتباعهم بإحسان يا رب العالمين.
اللّهم أصلح ولاة أمور المسلمين،
اللّهم أصلح ولاة أمور المسلمين اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين صغيرهم
وكبيرهم يا رب العالمين. اللّهم إنّا نسألك أن تصلح بطانة ولاة أمورنا،
اللّهم أصلح بطانة ولاة أمورنا، اللّهم أصلح بطانة ولاة أمورنا، اللّهم هيئ
لهم بطانةً صالحةً تدلهم على الخير وترغبهم فيه وتبين لهم الشر وتحذرهم
منه. اللّهم من كان من بطانة ولاة أمور المسلمين غير مستقيمٍ على دينك ولا
ناصح لهم ولا عبادك فأبعده عنهم يا رب العالمين.
اللّهم أنزل في قلوبهم بغضك حتى
يبعدوه عنهم واخلف عليهم خيراً منه يا رب العالمين إنك على كل شيءٍ قدير.
اللّهم إنّا نسألك في مقامنا هذا أن تصلح ولاة أمورنا وأن تصلح بطانتهم يا
رب العالمين وأن تصلح شعبنا شبابهم وشيوخهم وكهولهم ذكورهم وإناثهم يا رب
العالمين. اللّهم اجعلنا متعاونين على البر والتقوى متآخين في دين الله
متحابين في الله يا رب العالمين اللّهم اجعلنا ممّن امتثلوا أمرك في قولك {وَلْتَكُنْ
مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104].
اللّهم تقبل منّا إنّك أنت السميع العليم، اللّهم إننا عبادك نحن في انتظار
فريضةٍ من فرائضك مفتقرون اليك غاية الافتقار وأنت الغني عنا، اللّهم
فتقبل منّا واستجب دعاءنا يا رب العالمين، اللّهم تقبل منا وأستجب دعاءنا
يا رب العالمين، اللّهم تقبل منّا واستجب دعاءنا يا رب العالمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنة وقنا
عذاب النّار. اللّهم صلي على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما صليت على إبراهيم
وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد.
اللّهم بارك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما باركت على إبراهيم وعلى آل
إبراهيم إنّك حميد مجيد. اللّهم من أراد بالمسلمين سوءً فاجعل كيده في
نحره، اللّهم من أراد بالمسلمين سوءً فاجعل كيده في نحره، اللّهم من أراد
بالمسلمين سوءً فاجعل كيده في نحره وشتت شمله وفرق جمعه واهزم جنده واجعل
تدبيره تدميراً عليه واجعل بأسهم بينهم يتقاتلون ويتجارحون حتى يهلكون يا
ربّ العالمين إنّك على كل شيءٍ قدير والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم
على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
محمد العثيمين - رحمه الله -
يتبع