الثقة والعدل الاجتماعي أساس إصلاح التعليم وتحقيق التنمية الشاملة
إن إصلاح التعليم رافعة أساسية للتنمية الشاملة،
وبوابة رئيسة لتحقيق هذه التنمية في مختلف جوانبها المتعددة، بيد أن تحقيق
ذلك رهين بإصلاح هذا التعليم، وذلك ممتنع ما لم يتوفر أمران اثنان: "الثقة
والعدل الاجتماعي"، فهما عنوانان رئيسيان في فهم المداخل الحقيقية للنهوض
بواقع التعليم.
إن فقدان الثقة في المدرسة المغربية
وفي فعاليتها طامة كبرى، هناك فقدان للثقة في المبادرات المعلن عنها وفي
الأجهزة الوصية والمنفذة، وفي المدرسين والمؤطرين، وفي البرامج والمناهج،
حتى غدا هذا الأمر شعورا عاما لدى المجتمع كله، وعندما تفقد الثقة بين
المتعاملين المجتمعيين في الحياة الواحدة فالمجال لليأس والشك والكذب
والاستغلال واللامبالاة، وتلك لعمري جريمة كبرى في حق الأمة وفلذات
أكبادها.
ثم يأتي غياب العدل الاجتماعي بسبب الاستبداد
السياسي والاقتصادي ليكون طامة أخرى تنضاف وهي أدهى وأمر وأنكى للجرح
الدامي النازف لتصنع لنا الكوارث العامة التي يجمع عليها الكل الآن.
إن إعادة هذه الثقة على قاعدة العدل
الاجتماعي هي الأرضية الأولى لبناء إصلاح حقيقي للتعليم وتحقيق تنمية
شاملة لمختلف مناحي الحياة المجتمعية.
التعليم بالمغرب: الواقع المتأزم ومداخل الإصلاح
في عرضنا للمشهد التعليمي بالمغرب نقدم الأفكار التالية:
1- إن المسألة التعليمية بالمغرب هي جزء من واقع عام له ارتباط بالواقع السياسي والاقتصادي المحلي والدولي.
2–إن المنظومة التعليمية بالمغرب تعيش واقعا مترديا والمدرسة المغربية تحيى وضعا متأزما.
3- تبرز تجليات الأزمة التعليمة على مستويين: مستوى التدبير، ثم مستوى المنهاج.
4- يعود السبب في هذا الوضع إلى عنصرين اثنين:
التدبير السيء لهذا الملف من طرف الدولة، حيث استمرار النظام الحاكم في
الانفراد بالقرار التربوي بعيدا عن إشراك قوى المجتمع وفعاليته، سواء من
خلال مسلسلات الإصلاح التي توالت منذ الاستقلال أو من خلال ما سمي
بالميثاق، كذا عبر ما يسعى الآن لتطبيقه من مخطط استعجالي هو صنو من سبقه
في المصدر والارتجال والابتعاد عن الإشراك والتعاون، ثم رهن القطاع
بالإملاءات الأجنبية للمؤسسات المالية الدولية، حيث إن منظومتنا التعليمية
لا تستجيب لحاجياتنا الذاتية ولا تعبر عن هويتنا الأساسية ولا تنشد الخروج
من وضعية الأزمة، إنما تستجيب في معظمها لهواجس اقتصادية تنفذ مقترحات
المؤسسات المالية الدولية، وتخدم الملأ المستكبر المسيطر على الأرزاق
المتحكم في قوت العباد.
على ضوء هذا التشخيص يمكن أن نقدم أسسا ضابطة هي الأرضية اللازمة لتحقيق إقلاع حقيقي لمنظومتنا التربوية التعليمية، تتلخص في:
• تحقيق العدالة الاجتماعية.
• بناء الثقة من خلال القطع مع القرارات
الانفرادية، وبناء ثقافة التشارك والإشراك عبر جعل قضية التعليم قضية
المجتمع والأمة برمتها.
ولعل المدخل الإصلاحي لإنجاز هذه المهمة
الكبرى هو التداعي إلى ميثاق يؤسس لجبهة وطنية موحدة قصد إنقاذ المدرسة
المغربية وذاك قصد سام وغاية سامقة. وإذا كان المقام لا يسعفنا في توضيح
التفاصيل الجزئية الخاصة بهذا الميثاق ولا بآلياته الإجرائية، إذ يحتاج في
ذلك إلى عقول الأمة كلها والفاعلين فيها والمهتمين بالشأن التربوي عموما،
فإنه يمكن لنا أن نقترح بعضا من عناصره الأساسية:
فهو أولا اقتراح يقدم مشروعا تصوريا لا يحمل
أية صبغة إلزامية، إنما هو اقتراح من بين مقترحات أو مشروع من بين مشاريع
للكل الحق أن يتقدم بما يراه مناسبا وللتداول العام الحق في الاختيار
والحسم.
ثم هو ميثاق يتحقق عبر لقاءات دراسية يشارك
في التأسيس لأرضيته الكل (النقابات التعليمية، والجمعيات التربوية،
وفدراليات آباء وأولياء التلاميذ، ومكونات المجتمع) فهو ميثاق تشاركي
إشراكي.
إن هذه الدعوة إلى ميثاق تعليمي تتساوق
والحاجة الملحة العامة إلى ميثاق مجتمعي عام يكون المدخل المجتمعي السليم
الذي أخذت به كثير من الدول في مراحل انتقالاتها المجتمعية، ويكون على
أرضية تشاركية على أعين الشعب وتحت سمعه وبصره بعيدا عن الكواليس
والتوافقات المشبوهة للخروج من وهدة التخلف العام الذي تعرفه البلاد على
كافة الأصعدة.
إن هذه الدعوة جديرة أن تكون موضع تأمل
ودراسة علها تؤتي أكلها في تحقيق بغيتها المتمثلة في الخروج من شرنقة
الوضعية الكارثية التي يحياها قطاع التعليم: القطاع الحياة.